الرئيسية ← الأخبـــــــار ← الطاقة الغير متجددة ← انقسام “كاليفورنيا” وشركات النفط الكبرى بعد علاقة استمرت قرنًا من الزمان
نهاية حقبة لشركات النفط الكبرى في ولاية كاليفورنيا؛ حيث تنفصل الولاية الأمريكية الأكثر اكتظاظًا بالسكان عن الوقود الأحفوري في معركتها ضد تغير المناخ.
قبل قرن من الزمان، كانت ولاية كاليفورنيا تشهد إنتاجًا كبيرًا من النفط؛ حيث كانت تعتبر رابع أكبر منتج للنفط الخام في الولايات المتحدة، وقد أدى هذا الإنتاج الكبير إلى تأسيس المئات من شركات التنقيب عن النفط، بما في ذلك بعض الشركات الكبيرة التي لا تزال حاضرة حتى اليوم.
وقد ساهم هذا النفط في ظهور ثقافة السيارات المزدهرة، مع إنشاء الطرق السريعة الشهيرة ومسارح السيارات والمطاعم والبنوك.
ومع ذلك سنشهد نهاية رسمية لهذه العلاقة التاريخية؛ فسيقوم أكبر منتجي النفط في الولايات المتحدة- وهما اكسون موبيل وشيفرون – بالإعلان رسميًّا عن شطب أصولهما في كاليفورنيا بقيمة تقدر بـ5 مليارات دولار عندما يتم الإعلان عن نتائج الربع الرابع؛ وبهذا ستنتهي علاقة استمرت لمدة قرن من الزمان بين شركات النفط الكبرى وولاية كاليفورنيا.
جاءت تصريحات جيمي كورت، رئيس مجموعة حماية المستهلك؛ لتلقي الضوء على الوضع الحالي؛ حيث أشار إلى أن الشركات قد توقفت منذ وقت طويل عن الاستثمار في إنتاج النفط في ولاية كاليفورنيا، والآن يبدو أنها تسعى للتخلص من الآبار القديمة هناك.
وأكد كورت على أنهم بالتأكيد سيتمكنون من الحصول على الانفصال، مشيرًا إلى أن الفصل بينهما قد تم في الواقع منذ أكثر من عقد من الزمان، والتوقيع على الأوراق يعتبر مجرد إجراء رسمي.
ومن جانبها، انسحبت شركة إكسون موبيل من الإنتاج البري في كاليفورنيا العام الماضي، وهي خطوة أنهت شراكة دامت 25 عامًا مع شركة شل بي إل سي، عندما قامت ببيع عقاراتها المشتركة.
وقد أعلنت شركة إكسون هذا الشهر أن الظروف التنظيمية في ولاية كاليفورنيا عرقلت جهود استئناف الإنتاج البحري؛ مما دفعها إلى الانسحاب وشراء شركة في تكساس لممتلكاتها البحرية.
ومن المتوقع أن يكلف شطب أصول الدولة الأولى في إنتاج النفط في الولايات المتحدة حوالي 2.5 مليار دولار، وهو إجراء يختم خمسة عقود من الإنتاج قبالة سواحل جنوب كاليفورنيا بشكل رسمي.
ومن جانبها، ستتكبد شركة شيفرون تكاليف تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار مرتبطة بأصولها في كاليفورنيا،وتظل الشركة في المنافسة الشديدة مع تشريعات الولاية المتعلقة بعمليات إنتاج وتكرير النفط في الولاية؛ حيث تأسست قبل 145 عامًا تحت اسم شركة Pacific Coast Oil Co.
وأشار مسئول تنفيذي في شركة شيفرون هذا الشهر إلى أن سياسات الطاقة في ولاية كاليفورنيا تجعلها موقعًا صعبًا للاستثمار، حتى بالنسبة للوقود المتجدد.
وأضاف أن الشركة مستمرة في استخراج النفط من الحقول التي تم تطويرها قبل مائة عام، لكنها خفضت الإنفاق في الولاية بمئات الملايين من الدولارات منذ عام 2022.
الصحوة البيئية:
ساهمت شركات النفط في تعزيز ثقافة السيارات في كاليفورنيا، فقد كانت تسربات النفط أيضًا سببًا في تحفيز الحركة البيئية في الولايات المتحدة، ففي عام 1969، شهد انفجار بئر النفط المدمر في سانتا باربرا إصدار قانون السياسة البيئية الوطنية، الذي ألزم لأول مرة الوكالات الفيدرالية بالنظر في الآثار البيئية لقرارات الترخيص.
وفي السبعينيات والثمانينيات، فرضت ولاية كاليفورنيا قيودًا على الحفر بالقرب من المنازل والشركات، وأقرت أنظمة للحد من تلوث الهواء، وهي القواعد التي تم نسخها على نطاق واسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي عام 1996، قامت كاليفورنيا بإدخال البنزين المعاد تركيبه لمكافحة الضباب الدخاني، وتقديم أنظمة بيئية أكثر صرامة وتكلفة في البلاد؛ مما جعلها تصبح رائدة في وضع المعايير البيئية.
هذا الإرث المختلط قد طغى على المساهمات الاقتصادية لصناعة النفط في كاليفورنيا. لقد استبدلت صناعة التكنولوجيا الفائقة في الولاية بصناعة النفط كمصدر رئيسي للعمل، وقد دعا حاكم الولاية جافين نيوسوم إلى حظر بيع المركبات الجديدة التي تعمل بالبنزين بحلول عام 2035، وفي سبتمبر، قامت إدارته برفع دعوى قضائية تستهدف صناعة النفط بتهمة “الكذب على المستهلكين لأكثر من 50 عامًا” بشأن تغير المناخ، وقد وقع أيضًا على مشروع قانون يسعى إلى تحميل شركات مثل شيفرون وغيرها من مصافي التكرير المسئولية عن تكلفة تغير المناخ التي يزعم أنها يتحملها المستهلكون.
وأدلى معهد البترول الأمريكي- الذي يمثل الصناعة- بتصريح يقول إن الدعاوى القضائية المناخية تسبب “ضررًا للصناعة الأمريكية التأسيسية وعمالها”، وتمثل “إهدارًا هائلًا لموارد دافعي الضرائب في كاليفورنيا”.
الصناعة في تراجع:
في الوقت الحالي، يبدو أن قصة كاليفورنيا وصناعة النفط تمثل مأساة بشكل كبير، نتيجة لتصاعد الصراع والتوتر.
وفي هذا السياق، قال دانييل كامين – أستاذ الطاقة في جامعة كاليفورنيا – إن شركات النفط بحاجة ماسة إلى التحول نحو الطاقة النظيفة والابتعاد عن الوقود الأحفوري، ووصف هذا التحول بأنه “تحول أخضر”.
وأضاف: “هناك فرصة لهذه الشركات في هذا السياق، ولكن إذا اختارت الاستمرار في الوضع الحالي، فإنها قد تجد نفسها تصبح قديمة وغير مستجيبة للتحديات البيئية والاقتصادية الجديدة”.
وتواصل صناعة النفط في الولاية تراجعها المستمر منذ ما يقرب من أربعة عقود؛ فقد انخفض إنتاج النفط الخام، بما في ذلك حقول مقاطعة كيرن التاريخية في جنوب كاليفورنيا، بنسبة الثلثين تقريبًا منذ ذروته في عام 1985، عندما كان يصل إلى 1.1 مليون برميل يوميًّا.
وتشهد ولاية كاليفورنيا حالة من الهزائم في قطاع النفط؛ حيث تفتقر إلى مشاريع تطوير جديدة تلبي احتياجاتها المتزايدة من البنزين عالي الجودة؛ وفي سبتمبر، كشفت إدارة الحفاظ على البيئة في الولاية أن أكثر من 50% من تصاريح التنقيب عن النفط التي تم إصدارها للشركات لم تستخدم بعد؛ مما يظهر تراجعًا حادًّا في النشاط النفطي.
وتشهد مقاطعة كيرن- التي تعتبر من أبرز المناطق المنتجة للنفط في الولاية- معدلات بطالة مرتفعة تصل إلى 7.8%، مقارنة بالمتوسط الإجمالي للولاية البالغ 4.9%. ويعكس هذا الارتفاع الحاد في معدلات البطالة الضعف الذي تعيشه الصناعة النفطية في الولاية.
مع ذلك، تبدو كاليفورنيا على وشك تحقيق تحول كبير نحو الطاقة النظيفة؛ حيث تمتلك الآن مزايا كبيرة في هذا المجال تفوق بكثير ما توفره الصناعة النفطية من فرص عمل، وأشار دانييل كامين- أستاذ الطاقة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي- إلى أنه “لا مجال للاستمرار في الاعتماد على النفط والغاز في كاليفورنيا”، مؤكدًا على أهمية الانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.