الرئيسية ← الأخبـــــــار ← تراجم ← هل ينجح الحصار الأمريكي لليورانيوم الروسي؟
وافق مجلس النواب الأمريكي في ديسمبر 2023 على مشروع قانون يحظر استيراد اليورانيوم الروسي المخصب في خطوة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وخفض الاعتماد على روسيا، ويُلزم مشروع القانون – الذي سمي بـ”قانون حظر استيراد اليورانيوم الروسي” – إدارة الرئيس بايدن بفرض حظر على جميع واردات اليورانيوم الروسي المخصب خلال 90 يومًا من تاريخ إقراره، ولكن يواجه مشروع القانون مسارًا غير واضح في مجلس الشيوخ؛ حيث لم يتم التصويت عليه بعد، ويُدافع مؤيدو مشروع القانون عن أهميته في الحد من نفوذ روسيا الاقتصادي، وتعزيز أمن الطاقة الأمريكي، وإظهار الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وعلى الجانب الآخر يُحذر المعارضون من أن حظر الواردات الروسية قد يؤدي إلى تعطيل محطات الطاقة النووية الأمريكية، وزيادة تكاليف الطاقة، وصعوبة إيجاد بدائل موثوقة في الوقت القصير. ويبقى مستقبل مشروع القانون غامضًا، بينما تستمر المناقشات حول إمكانية حظر استيراد اليورانيوم الروسي.
ومن أبرز معارضي هذا المشروع نائب رئيس مجلس النواب ستيف سكاليس، والذي يرى أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة على الأمريكيين، بالإضافة إلى النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، والتي تعتقد أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي سيضر بأمن الطاقة الأمريكي، وينضم إليهماالنائب الجمهوري جيم جوردان، والذي أكد أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي سيُضعف من موقف الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع روسيا.
بالإضافة إلى هؤلاء الجمهوريين يُعارض بعض النواب الديمقراطيون أيضًا قانون حظر استيراد اليورانيوم الروسي، منهم النائب الديمقراطي روخانا، الذي يرى أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي سيُضر بجهود الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتنضم له النائبة الديمقراطية إلهان عمر، والتي تعتقد أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي سيُؤدي إلى تصعيد التوترات مع روسيا.
فيما يؤيد القرار الكتلة الديمقراطية وبعض الجمهوريين مثل نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، والتي تدعم حظر استيراد اليورانيوم الروسي كجزء من عقوبات أوسع ضد روسيا، والنائب الديمقراطي آدم شيف- رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب- إذ يرى أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي ضروري لضمان أمن الطاقة الأمريكي، وأخيرًا النائبة الجمهورية ليز تشيني، والتي تدعم حظر استيراد اليورانيوم الروسي كوسيلة لإظهار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا.
ومن أعضاء مجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي تشاك شومر – زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ – والذي يدعم حظر استيراد اليورانيوم الروسي كجزء من عقوبات أوسع ضد روسيا، وكذلك السيناتور الجمهوري ميت رومني؛ حيث يرى أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي ضروري لضمان أمن الطاقة الأمريكي، وكذلك السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز- رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ- والذي يدعم حظر استيراد اليورانيوم الروسي كوسيلة لإظهار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا.
ولمعرفة مدى أهمية موسكو النووية يكفي أن نعرف أنها تستحوذ على ثلث الإنتاج العالمي من اليورانيوم المخصب، ولكن هل من غريم لها؟ هنا تأتي الإجابة في الشركات العابرة للجنسيات مثل “يورينكو”.
وشركة يورينكو هي شركة عالمية رائدة في مجال تخصيب اليورانيوم، تأسست في عام 1970 كنتاج لتعاون بين ثلاث دول هي المملكة المتحدة وهولندا وألمانيا الغربية، ويعود تأسيس الشركة إلى اتفاقية ماربل الثلاثية بين هذه الدول، والتي أسفرت عن تأسيس شركة مشتركة لتطوير تقنيات تخصيب اليورانيوم باستخدام الغاز الدوريني في عملية تسمى التخصيب المركزية بالغاز.
وتعتبر شركة يورينكو من أكبر الموردين لليورانيوم المخصب في العالم؛ حيث توفر الوقود النووي للعديد من المفاعلات النووية حول العالم، وتمتلك الشركة منشآت تخصيب في عدة دول، وتتمتع بسجل حافل من الابتكار في مجال تطوير تقنيات تخصيب اليورانيوم وتحسين كفاءة الإنتاج النووي.
وأعرب بوريس شوشت – الرئيس التنفيذي لشركة يورينيكو والمزود الغربي الرائد لليورانيوم المخصب للمحطات النووية بأمريكا – عن ثقته في أن تحل شركته محل الإمدادات الروسية، في حالة ما إذا قررت الولايات المتحدة حظر الواردات الروسية، وأكد شوشت أن مشروع القانون الأمريكي والذي يستهدف حظر واردات اليورانيوم من روسيا سيحفز مبادرة بمليارات الدولارات من قبل الدول الأوروبية لتقوية سلاسل إمداد الدول النووية؛ ما يوفر استقرارًا طويل الأجل للمشاركين في هذا السوق، وأشار الرئيس التنفيذي إلى أن المناقشات الجارية بين حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشأن الاستثمارات المحتملة في محطات جديدة لإنتاج “هاليو”، وهو الوقود الأكثر فعالية والذي يستخدم في مفاعلات روساتوم الروسية حصرًا.
ووفقًا لما نشرته فاينانشيال تايمز الأمريكية، أكد شوشت على أهمية هذا المقترح التشريعي، وعلى ضمان وضوح واستقلال السوق، ومعالجة المخاوف الناجمة عن سيطرة روسيا على 50% من قدرات تخصيب اليورانيوم عالميًا، خاصة بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، وتمركز واشنطن في المعسكر الآخر. وأشار الرئيس التنفيذي إلى أن واشنطن وحلفاءها يسعون إلى إعادة بناء سلال إمداد الوقود النووي، رغم ديناميكيات العرض الضعيفة التي أدت إليها كارثة فوكوشيما عام 2011.
ليس وحده الصراع الروسي الأوكراني هو ما يؤجج الصراع، بل أيضًا الاستحواذ الروسي على أكثر من خمس وقود اليورانيوم اللازم لتشغيل أسطول المفاعلات النووية الأمريكية والأوروبية على حد سواء؛ ولذلك التزمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا وكندا باستثمارات كبرى لتعزيز قدرات تخصيب اليورانيوم المحلي؛ من أجل الإفلات من القبضة النووية للدب الروسي، وتشارك شركة يورينكو – بدعم من الحكومتين البريطانية والهولندية واثنتين من شركات المرافق الألمانية – في توسيع مرافق التخصيب في جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا.
كما سلط شوشت الضوء على زيادة الطلب من مشغلي محطات الطاقة النووية الغربية الذين يبحثون عن مصادر إمداد بديلة لروسيا، وكدليل على ذلك فقد زاد الطلب على شركته ليصل إلى زهاء 14 مليار دولار؛ ما يؤكد الاهتمام المتزايد بتنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن الشريك الروسي غير الآمن بالنسبة للغرب.
وبينما كانت إدارة بايدن مترددة في البداية بسبب الاعتماد الدائم على الوقود النووي الروسي فإنها تدعو الآن إلى فرض حظر عليه، مدعومًا بجهود التخزين الكبيرة التي تبذلها محطات الطاقة والاستثمارات الكبيرة في سلسلة التوريد النووية من قبل الشركات الغربية، ويشير هذا الزخم التشريعي وتلك الديلمة الاقتصادية إلى أنه قد يُسن حظر تشريعي على واردات اليورانيوم الروسية هذا العام؛ ما يوفر ضمانات لأصحاب المصلحة في هذه الصناعة الاستراتيجية.
ويشهد هذا القطاع الاستراتيجي – الطاقة النووية – انتعاشًا مدفوعًا بالضرورات اللازمة لتحقيق طاقة خالية من الانبعاثات الضارة، وتعزيز أمن الطاقة بعد الصراع الروسي الأوكراني، ويعد ظهور المفاعلات المعيارية الصغيرة – والتي تدعمها هاليو – نقطة محورية حققت فيها الصين وروسيا نجاحات، بينما انتكست فيها على الجانب الآخر الولايات المتحدة.
وشدد شوشت على ضرورة تنشيط القدرات النووية الغربية ودعمها، واستنكر المنافسة غير العادلة من روسيا، التي تبيع الوقود النووي بأقل من تكاليف الإنتاج بما يمنع باقي المنافسين من الوصول إلى الأسواق، مشيرًا إلى أن الحظر المقترح على واردات اليورانيوم الروسية خطوة نحو تصحيح هذا الخلل وتعزيز بيئة سوق أكثر إنصافًا للشركات الغربية.